مشروع طريق الملك عبد العزيز يضع خطة احترافية لاستدامة المياه الجوفية بمكة المكرمة

تعتمد المملكة بشكل رئيس على مصدرين للمياه، أولهما المياه الجوفية وثانيهما مياه التحلية، لعدم توفر المياه السطحية من أنهار وبحيرات. وتمثل المياه الجوفية بشقيها المتجدد وغير المتجدد نحو 98% من مصادر المياه فيها. وتعتبر المياه الجوفية بمكة المكرمة ضمن المصادر المتجددة بواسطة الأمطار، مثل عين زبيدة (تنبع من وادي نعمان) وعين الهميجــة (تنبع من وادي العشر) وعين زعفران (تنبع من شمال شرق وشمال مكة)، ولسد حاجة مكة المكرمة كان يتم نقل المياه عبر خطوط أنابيب من آبـار في الوديان المحيطة، مثل وادي فاطمة ووادي نعمان ووادي رهجان، غير أن كمية الاستهلاك بسبب تزايد سكان المدينة ونمو أعداد الحجاج والمعتمرين عاماً بعد عام، استوجب ابتكار الوسائل التي تكفل المحافظة على مصادر المياه الجوفية.

وتخترق مدينة مكة المكرمة مسارات العديد من الوديان الجوفية أهمها على الإطلاق وادي إبراهيم والـذي يوجد ضمن حوضه البيت الحرام والكعبة المشرفة وبئر زمزم المباركة، إلى جانب وجود أغلب الكتلة السكنية بمكة المكرمة في هذه المنطقة، ما أكسبه أهمية خاصة. ويحتوي وادي إبراهيم على المياه الجوفية في حوضه والتي تسري في اتجاه انحداره وتمثل مصدراً هاماً للمياه في العاصمة المقدسة.

المنطقة المركزية التي تخترقها وديان حيوية، شهدت العديد من مشروعات التطوير العمراني، ومنها مشروع طريق الملك عبد العزيز بمكة الذي يعتبر أحد أهم المشاريع التنموية التطويرية الهادفة لخدمة أهل مكة المكرمة وزوارها من الحجاج والمعتمرين، حيث يلامس المشروع ثلاثة أودية حيوية هي؛ وادي إبراهيم ووادي العشر ووادي العتيبة، والتي تتحرك بطريقة محكمة ومدبرة من عند الخالق.

وقد تطلّب تنفيذ مشروع طريق الملك عبد العزيز بمكة، جهوداً جبّارة للتغلب على التحدّيات الكبيرة أثناء تنفيذ البنية التحتية للأنفاق ومحطات المترو ومواقف السيارات وممرات المشاة. ونجحت شركة أم القرى للتنمية والإعمار في التعامل بإحترافية مع المياه الجوفيّة، على مسار أنفاق المترو، وذلك بالتنسيق مع هيئة المساحة الجيولوجية السعودية للتأكد من سلامة واستدامة بيئة مكة الطبيعية المميزة. وركزت عملية الاستدامة التي تبنتها الشركة، على ضمان استدامة كمية المياه الجوفية للوديان دون إعاقة مساراتها، أثناء وضع أساسات مباني المشروع، وعدم التأثير على التركيب الكيميائي والحيوي والخواص الفيزيائية للمياه الجوفية.

إلى ذلك، تمثل وديان إبراهيم والعشر والعتيبة وروافدها أحواضاً رسوبية مسامية، تسمح بأن تتخللها الميـاه الجوفيـة حـتى صخور القاعدة الصلبة في قيعانها، وأن وجود احتياطي المياه الجوفية يعتمد على تجمعات فتاتية وتكسيرية من نواتج تعرية صـخور القاعدة عند القاع. وفي إطار المحافظة على استدامة البيئة الحيوية للمياه الجوفية، تم التعامل مع رسوبيات الوديان المسامية باحترافية عالية وبموجب متطلبات المعايير البيئية العالمية، حرصاً من الشركة على ضمان سلامة واستدامة وخصوصية البيئة الطبيعية بمكة المكرمة.

وكانت شركة أم القرى للتنمية والإعمار قد أوكلت هيئة المساحة الجيولوجية السعودية في إجراء الدراسات العلمية والأبحاث التي يمكن من خلالها توجيه ومساعدة الاستشاري المصمم للمشروع بما يمكن أن يحافظ على التوازن في المنطقة، خاصة وأن المعايير التصميمية للهيئة تشترط تحقيق استدامة المشروع، وعدم استخدام أي عناصر يكون لها تأثير سلبي على البيئة الجيولوجية المحيطة بالمشروع.

وتجاه ذلك أوضح، مدير عام إدارة التصاميم والتطوير العمراني بشركة أم القرى للتنمية والإعمار د. مجدي المنصور أن الشركة استندت على دراسة أُجْرِيت لمائة عام تقريباً توضح كيفية تحرك المياه تحت الأرض في مكة المكرمة وفي أقصى الارتفاعات. وبناء على هذه الدراسة تم وضع الخطة بحيث لا تؤثر أعمال المشروع على مسارات المياه الجوفية أو خصائصها الحيوية.

وذكر المنصوري أن قطاع المياه الجوفية حظي باهتمام كبير من قبل الشركة، حيث راعت أثناء تنفيذ عمليات حفر مسار قطار مترو مكة كافة الجوانب الجيولوجية، وذلك بالتنسيق مع الجهات الرسمية ذات العلاقة؛ وأبدتْ حرصاً كبيراً للحفاظ على سلامة واستدامة وخصوصية بيئة مكة المكرمة الطبيعية، وعدم إعاقة مسارات أودية المياه الجوفية المتمثلة في وادي إبراهيم ووادي العتيبية ووادي العشر، مستخدمة أحدث المعالجات العلمية والتقنية التي حافظت من خلالها على سلاسة انسياب المياه الجوفية وتركيبتها.

وأشار المنصوري إلى أن الخطة اعتمدت وجود ممرات للمياه بعرض أربعة أمتار تحت كل مبنى بالمشروع القائم على طول أكثر من ثلاثة كيلومترات، وتم تحديد عرض الممر بهذه المساحة حتى يمكن نفاذ أكبر كمية من المياه عبره. وقد قامت الشركة بإعداد كتيبٍ إرشادي لتوزيعه على المستثمرين، يحتوي على جملة من الاشتراطات التي ينبغي الالتزام بها عند بناء المنشآت والمباني بالمشروع.

وما زال توفير المياه اللازمة للعاصمة المقدسة ظلّ يمثّل تحدياً هائلاً؛ نظراً للتوسع العمراني وزيادة أعداد السكان، فضلاً عن ارتفاع معدلات المعتمرين لنحو 30 مليون بحلول عام 2030، وتتواصل جهود الحكومة الرشيدة في تنفيذ حلول دائمة بحيث تكون المياه متوفرة حتى في مواسم الذروة.

وتهدف استراتيجية المياه الوطنية 2030 إلى العمل على التصدي لجميع التحديات الرئيسة، والاستفادة من الدراسات السابقة والمستمرة، وإصلاح قطاع المياه والصرف الصحي لضمان التنمية المستدامة للموارد المائية في المملكة.

جدير بالذكر أن الحلول المبتكرة للمحافظة على مخزون المياه الجوفية في العاصمة المقدسة، سيسهم في مواجهة التحديات التي تواجه المملكة من حيث محدودية احتياطي المياه الجوفية غير المتجددة القابلة للاستغلال، وكذلك معدلات تغذية منخفضة، بسبب الظروف المناخية القاحلة. وتشهد متطلبات المياه في المملكة (التي قدرت عام 2015 بنحو 24,8 مليار متر مكعب) زيادة سنوية ثابتة بنسبة 7%، ويشكل قطاع الزراعة الذي يستهلك 84% من إجمالي الطلب على المياه، تحديا كبيراً لاعتماده على الموارد غير المتجددة التي تمثل 90% من إجمالي المياه الموردة للقطاع.

الموضوع الأصلي,بواسطة :Khaled رابط الموضوع :https://nshir.com/%d9%85%d8%b4%d8%b1%d9%88%d8%b9-%d8%b7%d8%b1%d9%8a%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%84%d9%83-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b2%d9%8a%d8%b2-%d9%8a%d8%b6%d8%b9-%d8%ae%d8%b7%d8%a9-%d8%a7%d8%ad%d8%aa/

اترك تعليقاً

تسجيل الدخول لكي تستطيع النشر